ان الحالة الاقتصادية العامة
سواء في الوطن العربي بشكل خاص او العالم بشكل عام في هذا الوقت تمر بمرحلة
صعبة نوعا ما، والكثير من موردي المنتجات المختلفة ومنتجيها وبائعيها
يبحثون عن رفع المبيعات وتقليل التكاليف، وفي المقابل يبحث المشتري عن اقل
الأسعار لأفضل المنتجات، ومن هنا وُجِدَ انه كلما حاول البائع تخفيض السعر
طالب المشتري بسعر متدني أكثر، وقد ينعكس ذلك على جودة المنتج في كثير من
الأحيان لمجاره طلب تقليل السعر من اجل البيع مع محاولة تقليل التكاليف
والرفع من العائد الربحي.
ولكن هذه المعادلة تضل في كثير من الأحيان صعبة الممارسة
والتطبيق الحرفي، حيث يجب مراجعة السياسة السعرية باستمرار حتى تتوافق
وجميع متغيرات هذه المعادلة وبما يحقق الفائدة لجميع الأطراف بما فيها
المُنْتَج نفسه (السلعة)، ويكون ذلك للأطراف الثلاثة المشاركة في هذه
الدورة الاقتصادية:
- البائع يحقق الربحية ولو في اقل مستوياتها
- والمشتري يحقق الرضى بالحصول على اقل سعر،
- والمُنْتَج في الحفاظ على الجودة
ولو ان الاخير قد يكون الخاسر الأكبر بشكل نسبي من ناحية
الجودة، حيث ان القاعدة المتعارف عليها في تقليل السعر هو ان تكون على حساب
الجودة وفي قليل من الأحيان على حساب الهامش الربحي بحسب سياسة البائع
لسلعه معينة بحد ذاتها، و يأتي من بعده المشتري وأخيرا البائع، وبالتالي
فإن تقليل التكاليف سواء الإنتاجية والإدارية أو التسويقية تكون في مجملها
اول درجات سُلم هذه المعادلة.
وما تطور واتساع التعامل بالتجارة الالكترونية الا رديفاً
لهذه المعادلة، حيث طُوِرَت الوسائل الإلكترونية لمساعدة البائع في عرض
منتجاته بأقل التكاليف مقارنة بالأسواق التقليدية، كما أعطت المشتري السلطة
في الاختيار بين المنتجات والمقارنة سواء في السعر او الجودة والاسم
التجاري بأقل جهد يبذل وبشكل سريع يتيح له الاختيار والقرار بحسب الميزانية
المرصودة للشراء مسبقا، وهناك الكثير من مميزات تُتِحها التجارة
الالكترونية لجميع الأطراف؛ لن نخوض اليوم في سردها.
إذاً ولنفس الأسباب
الاقتصادية التي يمر بها العالم نشأت ضفتين متباعدتين بين السلعة والمستخدم
النهائي لتلك المنتجات، تتمثل هذه الفجوة في وجود مخزون كبير من المنتجات
تنتظر البيع، ولكن في المقابل لا توجد قوة شرائية للشراء لدى العميل
المستهدف تناسب هذه المنتجات، غير متناسيين وجود رغبة الشراء بالطبع.
وللجمع بين هذه الأطراف وجدت آليات مختلفة للبيع المنخفض السعر (بسعر الجملة) للأفراد كأحد الحلول لهذا التباعد بين الطرفين.
وقد بدأت منذ فترة طويلة في السوق التقليدي آليات البيع
بالجملة والحصول على المنتجات بالسعر المساوي لسعر الجملة ولكنه موجه
للأفراد، ففي المحلات ذات النموذج البيعي الكبير مثل السوبر ماركت وخلافة
يحصل العميل على المنتج بسعر موازي ان لم يكن مساوي لسعر ذلك المنتج عند
شرائه بكميات، ويقل هذا النموذج والتطبيق الدقيق له في الوطن العربي ولكنه
يكثر في أمريكا وذلك من خلال محلات كبير قد نستطيع ان نطلق عليها مستودعات
ولكنها تبيع المنتجات للأفراد او اصحاب المحلات الصغيرة بسعر منخفض جداً
وبدون الحاجة لشراء كميات كبيرة من المنتج الواحد للحصول على ذلك السعر،
ويكون هناك رسوم اشتراك سنوية من اجل الحصول على عضوية للدخول لهذه
المستودعات (تكون في الغالب رمزية)، وتقل التكاليف التشغيلية لهذه
المستودعات مقابل البيع المتكرر الكثير للمنتجات وبالتالي تتحقق معادلة
معروفة في السوق وهي بيع كثير العدد مع نسبة أرباح بسيطة وتقليل المصاريف
العامة فيتحقق في الأخير نسبة أرباح عالية بشكل عام، و يتحقق ما يمكن ان
نطلق عليه الشراء الجماعي، او البيع الجماعي.
حيث يتم تصريف مخزون المستودعات بشكل سريع مع الرضاء العام
للعميل المشتري، وتكون الدورة والحركة التجارية سريعة الخطى، يتحقق بها نمو
اقتصادي (ولو في حدود معينة).
وبالرغم من وجود مواقع الكترونية لهذه المستودعات لتقديم
خدمات البيع الالكترونية لعملائها (من من لديهم العضوية بالطبع) وبنفس
الأسعار المخفضة المعروضة في المستودع الفعلي وفي بعض الاحيان تكون اقل
بقليل من ماهي معرضة لدى المستودع الفعلي، ولكنها موجهه فقط لمنتجاتهم ولمن
لديهم العضوية كما ذكرنا،،، فما العمل الان لمن ليس لديهم الإمكانية
لاستغلال هذه الأسعار او لمن يبحث عن منتجات غير متوفرة لدى هذه المواقع او
الشركات !؟ وكانت بعض تلك الحلول كالتالي:
- توفير المنتجات بسعر رخيص جدا ومتدني بشكل كبير لا يمكن منافسته في كثير من الأحيان من قبل اي موقع او شركة اخرى، ولكن يكمن السر في،
- ان شرط بيع هذا المُنْتَج بهذا السعر هو توفر عدد معين من العملاء
للشراء، ومالم يتحقق هذا الشرط لا يتم إنهاء البيع والحصول على تلك السلعة،
- ويقوم هذا النموذج التجاري على الربط بين أصحاب المُنْتَج ذات المخزون
الكبير أو حتى البائع الذي يرغب في البيع السريع (أو لأي هدف يُرغب في
تحقيقه من قبل البائع)، وبين العميل الذي يبحث عن منتج رخيص ذو جودة يناسب
الميزانية الشرائية لذلك العميل.
نذكر أحد الأمثلة هنا وهو موقع “ووت” (woot)، والذي يقوم على عرض منتج واحد فقط خلال 24 ساعه بسعر منافس مع تأكيد عدد معين من العملاء للشراء.
هناك مصطلح جديد ظهر على الساحة يطلق عليه (groupon) أو
“تجميع” كترجمة حرفية للكلمة، وهي كذلك ربط بين كلمتين هما “group” و
“coupon” وقد تعني “مجموعات القسائم” أو “تجميع القسائم”؛ وللقارئ الحرية
في اختيار أو ترجمة المعنى بالشكل الذي يجده مناسب، ولكن القصد هنا هي
الفكرة نفسها وليست الترجمة. ، واشهر هذه المواقع أو بالأصح من بداء الفكرة هو موقع (groupon.com) حيث كانت بداياته في عام 2008 (سنة النكسة العقارية وما تبعها من ركود اقتصادي)، ولدى هذا الموقع نسخة عربية (groupon.ae)، تلى ذلك ظهور الكثير من مواقع “الكوبونات” أو قسائم الشراء المنخفضة، من أشهرها (livingsocial.com).
ولا تنحصر العروض المقدمة في هذه المواقع على نوعية واحدة من
المنتجات أو السلع المختلفة بل تتعداها إلى الخدمات العامة (في أي مجال)
وتغطي الكثير والكثير من الاحتياجات سواء اليومية أو الموسمية.
تسلسل عملية البيع الجماعي الالكتروني
موقع الوطن العربي من هذا النموذج:-
ولكن للأسف انحصرت المنتجات المقدمة من قبل هذه المواقع
العربية (على الغالب) في منتجات معينة ضمن اقسام محددة ولشريحة معينه،
(وللغرض التحليلي؛ لم يتنسى لي ان اقارن ما مدى مصداقية التخفيض والفرق في
الأسعار المعروضة لهذه القسائم بالسعر الحقيقي التقليدي لها، وهل حققت
الغرض الحقيق لنموذج البيع الجماعي).
للأسف لم يتحقق كامل الهدف الأساسي الذي بُنِيَ عليه نموذج
البيع الجماعي الإلكتروني هنا، ولم يتم ردم أو حتى تقليص الفجوة بين
المنتجات ومخزونها وبين المشترين ذوي القدرة الشرائية المحدودة صغيرة كانت
أو متوسطة.
فبالرغم من الإشكاليات الاقتصادية التي تمر بها منطقة الشرق
الأوسط وتعثر كثير من التجار (بمختلف احجامهم) في تصريف منتجاتهم وبضائعهم،
مع كفاح العميل اليومي لتوفير الاحتياجات ضمن ميزانيات محدده إلا اننا لم
نستطع ان نزن مؤشر تلك المعادلة بشكلها المرضى لجميع أطرافها، وبقيت هذه
المواقع تدور في محور منتجات ضمن اقسام محددة، حيث لم تتجرأ بقية الشركات
أو الموردين على الخوض في هذه التجربة، بالإضافة لعدم توجهه هذه المواقع
لهؤلاء التجار لعرض فكرة البيع الجماعي وتوضيح الاستفادة منها (نظرياً فقط،
وقد أكون مخطئ).
وهناك أسباب أخرى لتأخر انتشار هذا النموذج، ومنها:
- ضعف آليات الدفع الالكترونية وعدم انتشار حمل البطاقات الائتمانية لدى
شريحة المتسوقين، ويمكن التعويض عن ذلك بآلية الدفع المباشر للبائع عند عرض
ما يؤكد شراء قسيمة التخفيض.
- عدم وضوح شروط الاستخدام والاستفادة للعميل كما هي للبائع، أي ما يترتب
على البائع عند تقديم هذا العرض وما يُشترط على العميل للاستفادة من نفس
العرض، ويجب التأكيد على وضع وتوضيح هذه السياسات والشروط مقدماً.
- عدم وجود قوانين واضحة تلزم جميع الأطراف بتطبيق ما تم الاتفاق عليه،
وهنا يكون الاعتماد على مصداقية البائع في تنفيذ العرض، كما ويمكن تطبيق
اتفاقيات دقيقة وواضحة بين البائع وموقع تقديم صفقات التخفيض بما يضمن حقوق
جميع الأطراف بما فيها العميل المشتري.
يجب توضيح ان هذا النموذج يحمل مخاطر كذلك، سواء على البائع
أو على موقع العرض، فإن لم يتم الانتباه لحجم التخفيض والكمية المقدمة من
المنتج لهذا العرض (أو عدد الناس المسموح لهم بالشراء بهذا السعر) وكذلك
تاريخ الاستفادة من هذا العرض (تاريخ بداية وانتهاء) فذلك سينعكس بالخسارة
على البائع مالم يتم حساب جميع ذلك بدقة.
أما بالنسبة لموقع تقديم هذه العروض، فخسران المصداقية بسبب
تلاعب الموردين أو البائعين الذين يقدمون عروضهم عبر الموقع، هي أولى خطوات
الفشل لذلك الموقع، فيجب تأكيد شفافية التعامل ومصداقية العروض المقدمة
للحفاظ على أعلى نسب التقييم من قبل العملاء المستفيدين.
أدعو هنا جميع الأطراف المقدمة لخدمة
البيع الجماعي في الوطن العربي إلى توسيع نطاق المنتجات والشريحة المستهدفة
لتحقيق الأهداف المرجوة من هذا النموذج البيعي الذي إذا ما طبق بشكله
الصحيح فستكون عائداته وفائدته للجميع ومنها الدورة الاقتصادية العامة
للمنطقة التي تخدمها، بالإضافة لتطبيق مفهوم التكافل الاجتماعي مع تحقيق
الربحية لجميع الأطراف.
من فضلك اضغظ لايك لمشاهدة لينك التحميل